قد تولد أيها الإنسان محملا بالخوف المفرط الذي ورثته، وقد تلاقي صنوف التربية الإرهابية وتعاصرها.
ولكن مع ذلك فانك لا تزال تملك الإرادة القادرة على قلع جذور الخوف، فإذا كنت تريد التخلص من شبح الخوف المفرط (الحالة المرضية بالخصوص) فإليك هذا المنهج:
1- تشخيص الخوف:
المصاب بالسل إذا لم يعترف بمرضه هذا، فانه لن يتخلص منه.
ليقل للناس إنني في أتم صحة.. لن يطرد ذلك المرض.
سيبقى مع نفسه يلاقي سكرات الألم والأوجاع، إلى أن يسقط ميتا.
وان المبتلى بالخوف المفرط، هو كذلك تماما.
فالجبان الذي لا يعترف بجبنه، مهما أظهر أنه شجاع وحاول أن يقلد الأبطال، فان الخوف يظل يلاحقه ولن يفارقه.
إن تشخيص هذا المرض والتصميم على إزالته هو الجولة الأولى من مواجهته.
2- الإيحاء بالبطولة:
الإيحاء هو عملية ينجم عنها القبول دون تمييز أو تمحيص للأفكار الناشئة في العقل أو تحقيق تلك الأفكار على صعيد العقل والإيحائية تدل على استعداد المرء لتقبل الإيحاء.
وإذا كان الإيحاء إيجابيا، فانه يحدث تأثيرا قويا في سلوك الإنسان وتصرفاته، ويترك أثرا إيجابيا في النفس من خلال الأقوال والعبارات.
وربما كان سماع الشخص المتعب لقول يثني على علائم الصحة والعافية البادية عليه كفيلا في بعض الأحيان بأن يزل عنه شعور التعب.
لقد ثبت أن الإيحاء خير علاج لمعظم الأمراض النفسية.
فالإيحاء له تأثير نفسي كبير.
التجار مثلا يصرفون الأموال الطائلة في الدعاية، التي ما هي إلا نوع من الإيحاء.
والعلاج في بعض المناطق الفقيرة تصنع أقراص الحبوب من الخبز، وتعطي للمرضى وهم لا يعلمون بذلك ويراودهم شعور قوي وأمل بالشفاء، وهو ضرب آخر من الإيحاء.
إن هذه الأفكار أو الكلمات التي تتكرر على الإنسان نتطبع عنده في منطقة اللاوعي فيصبح لذلك مؤمنا ومتأثرا بها.
وهذا هو الإيحاء الغيري أي من الآخرين حيث يعتمد على كلمات الغير ومواقفهم واتجاهاتهم أو تستهويه أفعالهم.
والإسلام بدوره لم يغفل ذلك في منهجه التربوي.
انه يدعونا لقراءة القرآن، وحفظ آياته وما ذلك إلا ضرب آخر للإيحاء.
لماذا نردد في كل يوم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(أهدنا الصراط المستقيم)
مثلا هذه المجاميع العديدة من الأدعية لماذا نتلوها؟
إن كل ذلك في النهاية يوجد قناعة ذاتية في الإنسان أن يكون هكذا.
لاحظوا كيف يستخدم الطغاة المستعمرون الإيحاء لزرع الخوف في نفوسنا، إنهم يتحدثون عن أحدث وسائل القمع والمقاومة والإرهاب وعن قوة عساكرهم.
إنهم يوحون إلينا بأننا متخلفون.. ضعفاء أغبياء.
فإذا كانوا يستخدمون أسلوب الإيحاء لإرهابنا، أليس الأجدر بنا أن نستخدم الإيحاء لقلع بذور الخوف.
أوح لنفسك أنك بطل، ومن يقول أنك لست كذلك.
قل إنني شجاع وقادر على المقاومة والتحدي، فالمؤمن أولى بأن يكون كذلك. ردد هذه الكلمات.
كما فعل غاندي الذي كان يخشى حتى ظله.
بالإيحاء أصبح يخرج في الظلام وحده إلى الغابة، إلى أن بلغت به البطولة مبلغا حرر بها الهند من الاستعمار البريطاني.
إن ما قبل النوم يعتبر خير وقت لممارسة الإيحاء، حيث تستعد لاستقبال يوم جديد، أوح لنفسك أنه سيكون منعطفا في حياتك، وابدأ بالتمرد على الخوف.
فبالإيحاء الذاتي الناشئ من نفسك سوف تقهر كافة العوامل الخارجية التي تبعث في نفسك الخوف والهلع.
3- أقرأ تاريخ الأبطال:
المجتمع المتخلف تجده دائما ينقل أخبار الرعب ويقاطع أخبار البطولة، لا يتحدث عن الذين صمدوا وقاوموا، بل عن الذين انهاروا وتراجعوا.
وعندما يسترجع تاريخه يأخذ جانب المأساة منه فقط.
عندما يتكلم عن الأنبياء أو الأئمة يتحدث كيف عذبوا وقتلوا وشردوا ولا يتحدث عنهم: كيف صمدوا وثبتوا.
إذا أردت أن تنزع الخوف من ذاتك فاقرأ عن الأبطال لا عن الجبناء، وإذا قرأت عن الأبطال اقرأ عنهم في لحظة صمودهم ومواجهتهم وليس عن مأساتهم فقط.
إن الذين يقرؤون عن الجبناء أو يأخذون جوانب المأساة من حياة الأبطال ويتجرعونها، إنما يبحثون عن شركاء لهم في جبنهم ليتكامل تبريرهم.
وهذا ما تراه عندما تسأل شخصا: لماذا تراجعت عن هذا العمل؟ يقول إن فلانا أيضا تراجع.
4- الإقدام:
(إذا خفت أمرا فقع فيه).
غالبا ما يمنع الإنسان عن الإقدام على عمل، الشعور بالخوف النابع عن الهالة التي يتصورها حلول هذا الشيء.
فمن يتصور أن الظلام هو مرتع للوحوش المفترسة، ووكر للصوص وهدف للشياطين والجن، لن يتجرأ على السير في الظلام.
ومن يتصور انه لو دخل البحر يسبح فسوف تفترسه الأسماك، وتبتلعه الأمواج، فانه لن يتعلم السباحة.
إن هذه التصورات هي التي تمنع الإنسان من الإقدام.
يقول الإمام على رضي الله عنه:
(إذا خفت أمرا فقع فيه).
وتقع في هذا الذي تخشاه، لأنك لو فعلت ستنسف كافة التصورات السابقة وترى انها مزيفة وأنه شعور وهمي.
لذلك فان خير طريقة لتعلم السابحة، هي أن تلقي بنفسك في الماء، وبذلك سوف تكتشف أن ما قيل لك عن البحر وخطورته لا شيء، ومن ثم يزول عنك الخوف.
5- تحجيم الدنيا:
كلما كبرت الدنيا في نفس الإنسان كلما أصبح أكثر تمسكا بها وأكثر خوفا على فقدانها، وكلما صغرت الدنيا في نفسه كلما قل خوفه من الأشياء.
والأشخاص، وازداد خوفه من الله أنظروا إلى الجبناء، إنهم أشد تمسكا بحياتهم وذويهم وأموالهم، بينما لو نظرتم إلى الأبطال لرأيتم أنهم مستعدون أن يطلقوا هذه الدنيا في الحال.
الإمام علي رضي الله عنه الذي خاض ما يقارب الثمانين معركة وأصيب بمئات الجراح، ما حدث ذلك إلا بعد أن طلق الدنيا وحجمها في نفسه، ويصف حال الدنيا فيقول:
(الدنيا. نغر وتمر وتضر).
وهذا يعني أن خير وسيلة للتخلص من الخوف هي تحجيم هذه الدنيا هذه هي بعض السبل للخلاص من الخوف المفرط.
فيا أيها الإنسان المؤمن افترس الخوف المفرط قبل أن يفترسك.. حطم هذا الشبح الذي يلاحقك قبل أن تغدو شبحا آخر.
إلى متى ستظل تتهرب من الأعمال والمواقف، إلى متى تستسلم لعوامل الإرهاب والوراثة التي وقعت عليك، حتى الحيوان الفاقد للإرادة يتحدى ويقاوم ويقدم، فكيف بالإنسان الذي كرمه الله على كثير ممن خلق؟.