- ميلاد جديد
بعد مخاض استمر لعقود طويلة استطاعت مصر أن تخرج للدنيا بأسرها وليد يهتف
باسم الحرية والكرامة، ويثبت أن مصر ليست عاقر وأنها لا تزال شابة فتية
قادرة على إنجاب ثورة تنطق بالحق المبين... واستدار التاريخ نحو مصر بعد أن
أشاح عنها بوجهه لمدة طويلة حاملاً أوراقه وأقلامه متحسراً على مصر التي
لم يعد لديه ما يكتبه عنها إلا ما يتناقض مع ما حوته صفحاته على عن مصر
طوال آلاف السنين...
لقد جاءت ثورة 25 يناير لتدير وجه التاريخ مرة أخرى نحو مصر، وتنبهه إلى
أنها قد استعادت مجدها وأن عليه ان يكمل فصول الفخار التي توقف عن
استكمالها خلال عقود رزخت فيها مصر تحت نير الطغيان والفساد.. واستطاع
أبناء مصر أن يستعيدوا لمصر كرامتها وحريتها، لقد أثبت شباب مصر للعالم
بأسره أن مصر قادرة على النهوض شامخة مهما طال الزمن، وثقل القيد الذي غل
يديها..
إن ما فعله شباب مصر خلال أيام النضال قد استوقف العالم كله لينظر منبهراً
إلى مصر الناهضة مستندة على سواعد أبنائها وحدهم دون عون أو دعم من قريب أو
بعيد، لقد بنى أبناء مصر الهرم الأكبر في ثلاثين عاماً وكان ذلك بالنسبة
للعالم نوع من الإعجاز، لكن الشعب المصري استطاع أن يبرهن أنه قادر على
بناء هرم الحرية في 18 يوم، وما رافق هذه الثورة الخضراء من ردود أفعال
مرتبكة على المستوى الدولي يثبت للجميع أن ما قام به المصريون هو الإعجاز
بعينه، وأن مصر هي ربان سفينة العالم والوطن العربي، وكشفت الثورة لأبناء
مصر أن بلدهم هي بحق أم الدنيا، وأن الخلل لم يكن في أرض مصر ولا شعب مصر
بل في تلك الطغمة التي جثمت على صدر مصر، وغرها صبر هذا الشعب، وتفانيه في
خدمة بلده، فتنامى ظلم عصابة لم يردعها وازع من دين أو وطنية أو ضمير عن
سرقة هذا خيرات هذه الأرض واستعباد أبناء هذا الشعب.. وعلمت هذه الثورة كل
شعوب الأرض أن المصري عبقري وأن قراره بيده، وأنه قادر على اتخاذ قراره
وقتما يشاء، ون عصر بناة الأهرامات لم يندثر وإنما اختلفت طبيعة الأهرامات
التي يستطيع هذا الشعب أن يبنيها كل يوم..
لقد أثبتت هذه الثورة –من خلال ما تزامن معها من أحداث في الوطن العربي
والعالم- أن الوطن العربي بل والعالم كله مرهون ومرتبط بما يحدث على أرض
النيل، وأنه خلال فترة الثبات والتغييب التي عاشتها مصر بعد أن خدروها
سارقوها، كان العالم بأسره ينام ملأ جفونه بعد أن تنتهي أحاديث السمر عن
الصقر المصري الذي تفنن اللصوص في نتف أجنحة ريشه، وجعلوه مجرد أثر لطير
كان جناحيه هما مقياس السماء، فكانت الأمم تأتي لترى دولة كانت تصنع
التاريخ وتستبقيه عند قدميها وقد تحولت إلى رمز لتقلب الدهر بعد أن حمل
التاريخ أوراقه ليغادرها متأففاً من مستنقع الهوان الذي جروا مصر إليه...
استطاع أبناء مصر أن يؤكدوا حقيقة أن مصر باقية خالدة إلى أن يرث الله
الأرض وما عليها، وأنها لم ولن تموت ما دام شريان النيل يجري بأفئدة
المصريين، وأن مصر قد ترنوا برأسها أمام أعاصير الغي والبغي لكنها لا
تحنيها ولا تجثو أبداً...
قال المصريون كلمتهم، وحققوا إرادتهم في إطار ثورة سيذكرها التاريخ إلى أن
تنتهي صفحات أسفاره، وسيضع هذه الثورة في إطار مذهب ضمن أروع ما حققته
الإنسانية من إنجازات على مدار التاريخ البشري، فبكل المقاييس فإن ثورة 25
يناير اختلفت عن كل الثورات التي عرفها الإنسان في مضمونها وطريقتها
ونظرياتها وحتى في نجاها... فهذه الثورة عكست صورة المصري الحقيقي ونفضت
الغبار التي اعترى صورة شعب مصر طوال العقود الماضية ليكتشف العالم حقيقة
وجوهر هذا الشعب..
لأول مرة منذ عقود –بعد انتصار أكتوبر 1973- يفغر العالم فاه متعجباً من
قدرة المصريين على قلب موازين القوى، وتحقيق النصر وهذه المرة كان النصر
انتصاراً على الذات، وتحطيم أسوار الخوف والقهر، والعبور نحو الكرامة
والحرية..
2- ثورة غير كل الثورات
إننا إذا ما قارنا بين ثورة مصر في 25 يناير 2011 وغيرها من الثورات التي
عرفها التاريخ –ولو بصورة مقتضبة- لوجدنا أن أشهر الثورات التي شهدها
التاريخ الإنساني كانت ثورة العبيد في روما والمعروفة باسم ثورة
"سبارتاكوس" وهي ثورة تزعمها فرد للثأر ممن قتلوا زوجته واتسعت أهدافها
لتشمل تحرير العبيد في روما القديمة، ولكنها ثورة لم يكتب لها النجاح، ومن
بعدها الثورة الفرنسية عام 1789 وهي اشهر الثورات التي نادت بتحقيق العدالة
الاجتماعية وإصلاح نظام الحكم لكنها امتدت لما يزيد على عشر سنوات كاملة
وصبغها لون الدم، وهناك الثورة الروسية البلشيفية عام 1917 والتي قادها
"فلاديمير لينين" للإطاحة بالنظام القيصري في روسيا ونادت بتحقيق المساواة
وإقرار الشيوعية، ولكنها أيضاً اصطبغت بدماء الكثيرين وأتت باستبداد جديد،
وهناك ثورة "ماوتسي تونج" الصينية 1925 بعد أن إمتلأات شوارع الصين بجثث
العمال وهي ثورة يغلب عليها الطابع العسكري، وهناك أيضاً ثورة كاسترو
وجيفارا 1959 التي قادت إلى تحرير كوبا ونشرت حركات التحرر في أمريكا
اللاتينية وهي ثورة جاءت متأثرة بالأفكار الشيوعية الخارجية، كذلك فقد تحدث
التاريخ عن الثورة الإيرانية 1979 التي أطاحت بحكم الشاة وأتت بالسلطة
الدينية لتتبوأ سدة الحكم بقيادة الإمام الخميني والذي قاد الثورة من خارج
بلاده..
وبالطبع فإن التاريخ يذكر ثورة الضباط الأحرار في مصر في 23 يوليو 1952
والتي بدأت كانقلاب عسكري ثم اتبعه إنضمام كل فئات الشعب نظراً لتوافق
أهداف هذا الانقلاب مع مطالب الشعب المصري باسره فآزر الشعب هذه الثورة
وساندها…
وبنظرة إلى مجمل مكونات هذه الثورات ومقارنتها بالصورة الإجمالية لثورة 25
يناير فإن هناك ثمة تباينات كثيرة بين هذه الثورات العالمية وثورة مصر في
الخامس والعشرين من يناير 2011، وبرغم أن هناك إتفاق من حيث المبادئ
الأساسية لهذه الثورات ومبادئ الثورة المصرية الأخيرة خاصة ما يتعلق بتحقيق
العدالة الإجتماعية ونشر قيم المساواة إلا أن الفوارق تجعل لثورة مصر في
الخامس والعشرين من يناير 2011 خصوصية مميزة وفريدة، فهي لم تكن ثورة ضد
محتل أو غاصب أو أجنبي كباقي الثورات بل كانت ثورة على ظلم المصري للمصري،
وهي لم تكن ثورة ناتجة عن تحقيق مصلحة أو هدف لفئة بعينها بل كانت ثورة
جماهيرية شعبية اتحدت فيها كل قوى الشعب وفئاته وطبقاته مطالبة بنفس
المطالب وبذلك انتفت عنها الصفة الفئوية للثورة وكانت ثورة شعب بأكمله،
كذلك فإن ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت الثورة الوحيدة في العالم
التي لم يأت على راسها فرد بعينه ليقود جموع الثائرين بل كانت ثورة جميع من
فيها قادة، وجميع من فيها ثوار، وأيضاً إمتازت هذه الثورة بأنها لم تندلع
نتيجة التأثر بفكر خارجي بل جاءت نتيجة أفكار ومبادئ مصرية خالصة دون
إملاءات أو قناعات مستوردة، وأهم ما يميز هذه الثورة أنها لم تكن ثورة
باستيلية بل كانت سلمية حضارية دون عنف أو تخريب وحتى الدماء الطاهرة التي
أريقت كانت سببها النظام وأعوانه ممن خانوا أمانة الوطن، وهي الثورة
الوحيدة التي اتخذت من الفضاء الإنترنتي موقعاً لإنطلاقتها ومكان لإجتماع
أبنائها الذين جمعهم الهدف الواحد ضمن تنظيم معلن يعمل ضمن أقصى درجات
الوضوح والشفافية بعيداً عن كل مظاهر السرية..وكانت منشوراتها ونقاشاتها
معلنة أمام جميع الأعين، وهي ثورة تلقائية جاء تنظيمها واتساقها من توحد
أهداف من قاموا بها وهي ثورة استطاعت أن تقلب موازين ومفاهيم استخدام نظم
المعلومات التي كان هدفها الأساسي تغييب الشعوب وشغلهم وفضح اسرار الدول
وتمرير القناعات والأفكار الاستعمارية من خلال منظومات فكرية موجهة، وهي
الثورة التي قلبت السحر على الساحر، واستطاع المصريون أن يستخلصوا الدواء
من سم الأفعى ..
وستبقى هذه الثورة المصرية الخضراء هي الدليل على أن المصري لن يعدم
الوسيلة للوصول إلى أهدافه وتحقيق طموحاته..
بعد مخاض استمر لعقود طويلة استطاعت مصر أن تخرج للدنيا بأسرها وليد يهتف
باسم الحرية والكرامة، ويثبت أن مصر ليست عاقر وأنها لا تزال شابة فتية
قادرة على إنجاب ثورة تنطق بالحق المبين... واستدار التاريخ نحو مصر بعد أن
أشاح عنها بوجهه لمدة طويلة حاملاً أوراقه وأقلامه متحسراً على مصر التي
لم يعد لديه ما يكتبه عنها إلا ما يتناقض مع ما حوته صفحاته على عن مصر
طوال آلاف السنين...
لقد جاءت ثورة 25 يناير لتدير وجه التاريخ مرة أخرى نحو مصر، وتنبهه إلى
أنها قد استعادت مجدها وأن عليه ان يكمل فصول الفخار التي توقف عن
استكمالها خلال عقود رزخت فيها مصر تحت نير الطغيان والفساد.. واستطاع
أبناء مصر أن يستعيدوا لمصر كرامتها وحريتها، لقد أثبت شباب مصر للعالم
بأسره أن مصر قادرة على النهوض شامخة مهما طال الزمن، وثقل القيد الذي غل
يديها..
إن ما فعله شباب مصر خلال أيام النضال قد استوقف العالم كله لينظر منبهراً
إلى مصر الناهضة مستندة على سواعد أبنائها وحدهم دون عون أو دعم من قريب أو
بعيد، لقد بنى أبناء مصر الهرم الأكبر في ثلاثين عاماً وكان ذلك بالنسبة
للعالم نوع من الإعجاز، لكن الشعب المصري استطاع أن يبرهن أنه قادر على
بناء هرم الحرية في 18 يوم، وما رافق هذه الثورة الخضراء من ردود أفعال
مرتبكة على المستوى الدولي يثبت للجميع أن ما قام به المصريون هو الإعجاز
بعينه، وأن مصر هي ربان سفينة العالم والوطن العربي، وكشفت الثورة لأبناء
مصر أن بلدهم هي بحق أم الدنيا، وأن الخلل لم يكن في أرض مصر ولا شعب مصر
بل في تلك الطغمة التي جثمت على صدر مصر، وغرها صبر هذا الشعب، وتفانيه في
خدمة بلده، فتنامى ظلم عصابة لم يردعها وازع من دين أو وطنية أو ضمير عن
سرقة هذا خيرات هذه الأرض واستعباد أبناء هذا الشعب.. وعلمت هذه الثورة كل
شعوب الأرض أن المصري عبقري وأن قراره بيده، وأنه قادر على اتخاذ قراره
وقتما يشاء، ون عصر بناة الأهرامات لم يندثر وإنما اختلفت طبيعة الأهرامات
التي يستطيع هذا الشعب أن يبنيها كل يوم..
لقد أثبتت هذه الثورة –من خلال ما تزامن معها من أحداث في الوطن العربي
والعالم- أن الوطن العربي بل والعالم كله مرهون ومرتبط بما يحدث على أرض
النيل، وأنه خلال فترة الثبات والتغييب التي عاشتها مصر بعد أن خدروها
سارقوها، كان العالم بأسره ينام ملأ جفونه بعد أن تنتهي أحاديث السمر عن
الصقر المصري الذي تفنن اللصوص في نتف أجنحة ريشه، وجعلوه مجرد أثر لطير
كان جناحيه هما مقياس السماء، فكانت الأمم تأتي لترى دولة كانت تصنع
التاريخ وتستبقيه عند قدميها وقد تحولت إلى رمز لتقلب الدهر بعد أن حمل
التاريخ أوراقه ليغادرها متأففاً من مستنقع الهوان الذي جروا مصر إليه...
استطاع أبناء مصر أن يؤكدوا حقيقة أن مصر باقية خالدة إلى أن يرث الله
الأرض وما عليها، وأنها لم ولن تموت ما دام شريان النيل يجري بأفئدة
المصريين، وأن مصر قد ترنوا برأسها أمام أعاصير الغي والبغي لكنها لا
تحنيها ولا تجثو أبداً...
قال المصريون كلمتهم، وحققوا إرادتهم في إطار ثورة سيذكرها التاريخ إلى أن
تنتهي صفحات أسفاره، وسيضع هذه الثورة في إطار مذهب ضمن أروع ما حققته
الإنسانية من إنجازات على مدار التاريخ البشري، فبكل المقاييس فإن ثورة 25
يناير اختلفت عن كل الثورات التي عرفها الإنسان في مضمونها وطريقتها
ونظرياتها وحتى في نجاها... فهذه الثورة عكست صورة المصري الحقيقي ونفضت
الغبار التي اعترى صورة شعب مصر طوال العقود الماضية ليكتشف العالم حقيقة
وجوهر هذا الشعب..
لأول مرة منذ عقود –بعد انتصار أكتوبر 1973- يفغر العالم فاه متعجباً من
قدرة المصريين على قلب موازين القوى، وتحقيق النصر وهذه المرة كان النصر
انتصاراً على الذات، وتحطيم أسوار الخوف والقهر، والعبور نحو الكرامة
والحرية..
2- ثورة غير كل الثورات
إننا إذا ما قارنا بين ثورة مصر في 25 يناير 2011 وغيرها من الثورات التي
عرفها التاريخ –ولو بصورة مقتضبة- لوجدنا أن أشهر الثورات التي شهدها
التاريخ الإنساني كانت ثورة العبيد في روما والمعروفة باسم ثورة
"سبارتاكوس" وهي ثورة تزعمها فرد للثأر ممن قتلوا زوجته واتسعت أهدافها
لتشمل تحرير العبيد في روما القديمة، ولكنها ثورة لم يكتب لها النجاح، ومن
بعدها الثورة الفرنسية عام 1789 وهي اشهر الثورات التي نادت بتحقيق العدالة
الاجتماعية وإصلاح نظام الحكم لكنها امتدت لما يزيد على عشر سنوات كاملة
وصبغها لون الدم، وهناك الثورة الروسية البلشيفية عام 1917 والتي قادها
"فلاديمير لينين" للإطاحة بالنظام القيصري في روسيا ونادت بتحقيق المساواة
وإقرار الشيوعية، ولكنها أيضاً اصطبغت بدماء الكثيرين وأتت باستبداد جديد،
وهناك ثورة "ماوتسي تونج" الصينية 1925 بعد أن إمتلأات شوارع الصين بجثث
العمال وهي ثورة يغلب عليها الطابع العسكري، وهناك أيضاً ثورة كاسترو
وجيفارا 1959 التي قادت إلى تحرير كوبا ونشرت حركات التحرر في أمريكا
اللاتينية وهي ثورة جاءت متأثرة بالأفكار الشيوعية الخارجية، كذلك فقد تحدث
التاريخ عن الثورة الإيرانية 1979 التي أطاحت بحكم الشاة وأتت بالسلطة
الدينية لتتبوأ سدة الحكم بقيادة الإمام الخميني والذي قاد الثورة من خارج
بلاده..
وبالطبع فإن التاريخ يذكر ثورة الضباط الأحرار في مصر في 23 يوليو 1952
والتي بدأت كانقلاب عسكري ثم اتبعه إنضمام كل فئات الشعب نظراً لتوافق
أهداف هذا الانقلاب مع مطالب الشعب المصري باسره فآزر الشعب هذه الثورة
وساندها…
وبنظرة إلى مجمل مكونات هذه الثورات ومقارنتها بالصورة الإجمالية لثورة 25
يناير فإن هناك ثمة تباينات كثيرة بين هذه الثورات العالمية وثورة مصر في
الخامس والعشرين من يناير 2011، وبرغم أن هناك إتفاق من حيث المبادئ
الأساسية لهذه الثورات ومبادئ الثورة المصرية الأخيرة خاصة ما يتعلق بتحقيق
العدالة الإجتماعية ونشر قيم المساواة إلا أن الفوارق تجعل لثورة مصر في
الخامس والعشرين من يناير 2011 خصوصية مميزة وفريدة، فهي لم تكن ثورة ضد
محتل أو غاصب أو أجنبي كباقي الثورات بل كانت ثورة على ظلم المصري للمصري،
وهي لم تكن ثورة ناتجة عن تحقيق مصلحة أو هدف لفئة بعينها بل كانت ثورة
جماهيرية شعبية اتحدت فيها كل قوى الشعب وفئاته وطبقاته مطالبة بنفس
المطالب وبذلك انتفت عنها الصفة الفئوية للثورة وكانت ثورة شعب بأكمله،
كذلك فإن ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت الثورة الوحيدة في العالم
التي لم يأت على راسها فرد بعينه ليقود جموع الثائرين بل كانت ثورة جميع من
فيها قادة، وجميع من فيها ثوار، وأيضاً إمتازت هذه الثورة بأنها لم تندلع
نتيجة التأثر بفكر خارجي بل جاءت نتيجة أفكار ومبادئ مصرية خالصة دون
إملاءات أو قناعات مستوردة، وأهم ما يميز هذه الثورة أنها لم تكن ثورة
باستيلية بل كانت سلمية حضارية دون عنف أو تخريب وحتى الدماء الطاهرة التي
أريقت كانت سببها النظام وأعوانه ممن خانوا أمانة الوطن، وهي الثورة
الوحيدة التي اتخذت من الفضاء الإنترنتي موقعاً لإنطلاقتها ومكان لإجتماع
أبنائها الذين جمعهم الهدف الواحد ضمن تنظيم معلن يعمل ضمن أقصى درجات
الوضوح والشفافية بعيداً عن كل مظاهر السرية..وكانت منشوراتها ونقاشاتها
معلنة أمام جميع الأعين، وهي ثورة تلقائية جاء تنظيمها واتساقها من توحد
أهداف من قاموا بها وهي ثورة استطاعت أن تقلب موازين ومفاهيم استخدام نظم
المعلومات التي كان هدفها الأساسي تغييب الشعوب وشغلهم وفضح اسرار الدول
وتمرير القناعات والأفكار الاستعمارية من خلال منظومات فكرية موجهة، وهي
الثورة التي قلبت السحر على الساحر، واستطاع المصريون أن يستخلصوا الدواء
من سم الأفعى ..
وستبقى هذه الثورة المصرية الخضراء هي الدليل على أن المصري لن يعدم
الوسيلة للوصول إلى أهدافه وتحقيق طموحاته..