بسم الله الرحمن الرحيم
فإن
سألتَ عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران. وإن سألت عن سقفها فهو عرش
الرحمن. وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر. وإن سألت عن حصبائها فهو
اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب. وإن سألت
عن أشجارها فما فيها من شجرة إلا وساقها من الذهب والفضة، لا من الحطب
والخشب. وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال، ألين من الزبد، وأحلى من العسل.
وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألت عن أنهارها
فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل
مصفى. وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون. وإن
سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور. وإن سألت عن آنيتهم فآنية
الذهب والفضة، في صفاء القوارير. وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين
مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.
وإن
سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تنعم بالطرب لمن يسمعها. وإن سألت عن
ظلها ففي ظل الشجرة الواحدة يسير الراكب المجد السريع مائة عام لا يقطعها.
وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة
ألفي عام. وإن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة،
طولها ستون ميلا. وإن سألت عن علاليها وجوسقها فهي غرف من فوقها غرف
مبنية، تجري من تحتها الأنهار. وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب
الطالع أو الغارب في الأفق، الذي لا تكاد تناله الأبصار.
وإن سألت عن
لباس أهلها فهو الحرير والذهب. وإن سألت عن فرشها فبطائنها من إستبرق،
مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات،
مزررة بأزرار الذهب. وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر. وإن
سألت عن أعمارهم فأبناء ثلاث وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام، طولهم
ستون ذراعا، وعرضهم سبعة أذرع.
وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من
الحور العين، وأحلى منه سماع الملائكة والنبيين، وأحلى منهما خطاب رب
العالمين. وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب مما شاء الله،
تسير بهم حيث شاءوا. وإن سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ،
وعلى رؤوسهم ملابس التيجان. وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون، كأنهم
لؤلؤ مكنون.
وإن سألت عن أزواجك وحبيباتك، فهن الكواعب الأتراب، اللاتي
جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما
تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت
عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين
ثناياها إذا ابتسمت.
إذا قابلتْ حِبَّها فقل ما تشاء في تقابل النورين،
وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق
الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها كما يُرى في المرآة التي جلاها صيقلها ،
ويرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها، ولا عظمها، ولا حللها. لو
اطلعتْ على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه
الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ولتزخرفت لها ما بين الخافقين،
ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم،
ولآمن من على ظهرها بالله الحي القيوم، ولَنصيفها على رأسها خير من الدنيا
وما فيها، ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها.
ولا تزداد على طول
الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً،
مبرأة من الحبل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق،
والغائط وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلِق ثوب
جمالها، ولا يُمَل طيب وصالها، قد قصرت على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه،
وقصر طرفه عليها، فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها
بطاعته أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو منها في غاية الأماني، لم يطمثها
قبله إنس ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً، وكلما حدثته ملأت
أذنه لؤلؤاً منظوماً، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً.
فإن سألت عن
السن فأتراب في أعدل من الشباب. وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر.
وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن جور. وإن سألت عن
القدود فهل رأيت أحسن الأغصان. وإن سألت عن النهود فمن الكواعب، ونهودهن
كألطف الرمان. وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان. وإن سألت عن حسن
الْخُلُق فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمعن بين الحسن والإحسان، فأعطين
جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر. وإن سألت عن حسن
العشرة ولذة ما هنالك، فهن العُرب المحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل
التي تمتزج بالروح أي امتزاج.
فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها
أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة
في بروج فلكها، وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته فيا
لذة المعانقة والمخاصرة، وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست
وأمتعت فيا حبَّذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلت فلا شيء أشهى إليه من
التقبيل، وإن نُوْلَتْ فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل.
أما يوم
المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه،
فإنه اليوم الأعظم والأجمل، ففيه ترى الرب الرحيم، كما ترى الشمس في
الظهيرة، والقمر ليلة البدر. فالجنة، وربِّ الكعبة، فيها ما لا عين رأت،
ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
آيــات في الجنـة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم
·
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي
جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (72). التوبة
· إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
(45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي
صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا
يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48). الحجر
·
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُـــوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَـــاتِ
جَنَّــاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ
أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23).
الحج
· إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ
(55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ
(56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(57)سَلَامٌ قَوْلًا
مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58). يس
· وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا
خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ
وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ
فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74). الزمر
· إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ
سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ
بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55).
الدخان
· مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا
أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ
يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ
وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ (15). محمد
· إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55). القمر
·
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَى أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ
فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53)
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى
الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ
وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57)
كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا
الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ
دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65)
فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي
الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ
يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ
وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78). الرحمن
·
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي
جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ
الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا
مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ
عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ
اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلاً
سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ
(27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ
مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا
مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا
أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا
أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ
(39) وَثُلَّةٌ مِنْ الْآخِرِينَ (40). الواقعة
· وَجَزَاهُمْ بِمَا
صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ
لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً
عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ
عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا(15)
قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا(16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا
كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى
سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا
رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا(19) وَإِذَا رَأَيْتَ
ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا(20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ
سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ
وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21). الإنسان
· إِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ
أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا
وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36). النبأ
·
وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا
مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ
وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ (25). البقرة
· قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ
الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً
وَمَصِيرًا(15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى
رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً (16). الفرقان
· وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ
لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ
(50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا
مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا
لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54). ص
· وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا
يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35). ق
· إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا
سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(10). يونس
أبواب الجنــة
عندما يفزع الناس يوم القيامة يأتون إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم
الأنبياء، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا
ترى ما نحن فيه! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأنطلق، فآتي تحت العرش،
فأخر ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم
يفتحه على أحد قبلي، ثم يُقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع،
فأرفع رأسي، فأقول: يا رب أمتي، يا رب أمتي، يا رب أمتي، فيقول: يا محمد،
أَدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء
الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، ما بين
المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، وكما بين مكة وبصرى. وإن
للجنة لثمانية أبواب، ما منهما بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما،
ومنها باب تدخل منه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، عرضه مسيرة الراكب
المجود ثلاثا، ثم إنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول.
وهي
موزعة: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد
دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من
أهل الصيام دعي من باب الريان، وقد يدعى المؤمن من هذه الأبواب كلها.
وعزةِ الله وجلاله، لو كان العبد المؤمن في الدنيا أقطع اليدين والرجلين،
وسُحِبَ على وجهه منذ يوم خلقه الله إلى يوم القيامة، ووقف على أحد هذه
الأبواب، لكان كأنه ما رأى بؤسا قط.
ولما كانت الجنات درجات، بعضها فوق
بعض، كانت أبوابها كذلك، وباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها،
وكلما علت الجنة اتسعت، فعاليها أوسع مما دونه، وسعة الباب بحسب سعة
الجنة، فمنها ما بين مصراعيه مسيرة أربعين عاما، ومنها ما بين مصراعيه
مسيرة سبعين عاما، ومنها ما بين مصراعيه كما بين مكة وهجر، ومنها ما بين
مصراعيه كما بين مكة وبصرى، ومنها ما عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا.
يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، تتكلم وتُكَلَّم، وتَفهم ما
يقال لها، انفتحي انغلقي.
أول من يدخل الجنـة
يقول النبي صلى الله
عليه وسلم: { أنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر، وآتي باب الجنة
فآخذ بحلقتها، فيقولون: من هذا؟ فأقول: أنا محمد. فيفتحون لي، فأدخل، فأجد
الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يُسمع منك،
وقل يُقبل منك، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي يا رب،
فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدتَ في قلبه مثقال حبة من شعير من الإيمان
فأدخله الجنة، فأذهب، فمن وجدتُ في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة. فأجد
الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يُسمع منك،
وقل يُقبل منك، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي يا رب،
فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدتَ في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان
فأدخله الجنة، فأذهب، فمن وجدتُ في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة.
وفرغ
من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي في النار مع أهل النار. فيقول أهل
النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به شيئا. فيقول
الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار. فيرسل إليهم، فيخرجون من النار وقد
امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء
السيل، ويكتب بين أعينهم (هؤلاء عتقاء الله)، فيذهب بهم فيدخلون الجنة.
فيقول لهم أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون. فيقول الجبار: بل هؤلاء عتقاء
الجبار}. وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل ألف
سبعون ألفا ليس عليهم حساب. وأعطاني الكوثر، فهو نهر من الجنة، يسيل في
حوضي، وأعطاني أني أول الأنبياء أدخل الجنة.
وأبو بكر أول من يدخل
الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمملوك إذا أطاع الله وأطاع
سيده، والفقراء والمهاجرون الذين تُسد بهم الثغور، ويُتقى بهم المكاره،
ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، يدخلون الجنة قبل
الأغنياء بنصف يوم؛ وذلك خمس مائة عام. فيقول الله عز وجل لمن يشاء من
ملائكته: ائتوهم فحيوهم. فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك، وخيرتك من خلقك،
أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم! قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا
يشركون بي شيئا، وتُسد بهم الثغور، ويُتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم
وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون
عليهم من كل باب، ويقولون: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
وإن
أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد
كوكب دري في السماء إضاءة، يتلقى كل واحد منهم سبعون ألف خادم كأنهم
اللؤلؤ، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يمتخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب،
ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق
رجل واحد، على صورة أبيهم آدم؛ ستون ذراعا في السماء، لكل رجل منهم زوجتان
اثنتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب.
والذي نفس
محمد بيده، إنه ليرجوا أن تكون أمته نصف أهل الجنة، وذاك أن الجنة لا
يدخلها إلا نفس مسلمة، وما نحن من أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد
الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر.
عدد الجنات وأسماؤها
لما
خلق الله عز وجل الجنات يوم خلقها وفضل بعضها على بعض، جعلها سبع جنات،
دار الخلد، ودار السلام، وجنة عدن، وهي قصبة الجنة، وهي مشرفة على الجنان
كلها، وهي دار الرحمن تبارك وتعالى، ليس كمثله شيء ، ولا يشبه شيء، ولباب
جنات عدن مصراعان: من زمرد وزبرجد من نور، كما بين المشرق والمغرب، وجنة
المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، سبع جنات خلقها الله عز
وجل من النور كلها، مدائنها وقصورها، وبيوتها وشُرَفِها، وأبوابها ودرجها،
وأعلاها وأسفلها، وآنيتها وحليِّها، وجميع أصناف ما فيها من الثمار
المتدلية، والأنهار المطرزة بألوان الأشربة، والخيام المشرفة، والأشجار
الناضرة بألوان الفاكهة، والرياحين العبقة، والأزهار الزاهرة، والمنازل
البهية.
صفة أهل الجنـة
فيدخلها أهل الجنة، جردا مردا مكحلين، أبناء
ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين، عليهم التيجان، وإن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما
بين المشرق والمغرب، ولو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا، لتزخرفت له ما
بين خوافق السماوات والأرض، ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره،
لطمس ضوؤُه ضوءَ الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم.
وإذا فتحت الجنة
أبوابها دخلت أول زمرة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأشد
كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب واحد، لا اختلاف بينهم ولا
تباغض، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون فيها ولا يموتون، ولا ينزفون،
ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمنون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، آنيتهم من
الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوّة، ورشحهم المسك، أزواجهم
الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً
في السماء، وبجمال يوسف، وقلب أيوب، وعُمْر عيسى، وخُلُق محمد، عليهم
جميعاً الصلاة والسلام.
لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين، على كل
زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما، كما يرى الشراب
الأحمر في الزجاجة البيضاء.
درجات أهل الجنـة
ويصعد في درجاتها، وفي
الجنة مائة درجة، أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين
كما بين السماء والأرض، وما بين كل درجتين مائة عام، لو أن العالمين
اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم، أفضلها الفردوس؛ فهي وسط الجنة، وأعلى الجنة،
وفوقها عرش الرحمن عز وجل، ومنه تفجر أنهار الجنة. وأعلاها الوسيلة، فإنها
درجة في أعلى الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، نرجو أن يكون نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم هو ذاك الرجل.
وأدنى درجات الجنة من له من الجنة مسيرة
خمسمائة عام، ويزوج خمسمائة حوراء، وأربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف بيت،
وإنه ليعانق الزوجة عُمْر الدنيا فلا يتأخر واحد منها عن صاحبه، وإنه
لتوضع المائدة بين يديه فلا ينقضي شبعه عُمْر الدنيا، وإنه ليوضع الإناء
على فيه فلا ينقضي ريه عُمْر الدنيا، وإنه ليأتيه ملك بين اصبعيه مائة
حلة، تحية من ربه تبارك وتعالى، فيلقيها على بدنه، فيقول العبد: الحمد
لله، وتبارك ربي وتعالى، فما عجبت كإعجابي بهذه الهدية. فيقول الملَك:
أعجبتْك؟ فيقول: نعم، فيبادر الملَك أدنى شجرة من جنة الخلد، فيقول: أنا
رسول ربكِ إليكِ، تكوني لولي الله ما أحب، فتتلون له على ما يشتهي.
ويؤتى
بقارئ القرآن، فيعطى الملْك بيمينه، والخلْد بشماله، ويوضع على رأسه تاج
الوقار، ويُكسى والداه حلتين، لا يقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كُسينا
هذا؟ فيُقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج
الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ أو يرتل.
وإن الرجل من أهل
عليين ليشرف على أهل الجنة، فتضيء الجنة لوجهه، كأنها كوكب دري، وإن من
تحتهم يراهم كما يرى النجم الطالع في أفق السماء.
وفي الجنة ملوك،
ومَلِكُها رجل ضعيف مستضعف، ذو طمرين، لا يؤبه له، لو أقسم على الله
لأبره. يشمون رائحة الجنة، حتى قبل دخولها، كلٌ حسب درجته، فمنهم من يشم
رائحتها من مسافة ألف عام، ومنهم من يشم رائحتها من مسافة خمسمائة عام،
ومن مسافة مائة عام، ومن مسافة سبعين عاما، ومن مسافة أربعين عاما، كل حسب
عمله.
الشـهــــــداء
وفيها الشهداء، وهم أربعة: رجل مؤمن جيد
الإيمان، لقي العدو فصدق الله فقُتل، فذلك الذي ينظر الناس إليه هكذا،
ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه حتى سقطت قلنسوته. والثاني رجل
مؤمن، لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح، جاءه سهم غرب فقتله، فذاك
في الدرجة الثانية. والثالث رجل مؤمن، خلط عملا صالحا وآخر سيئا، لقي
العدو فصدق الله عز وجل حتى قُتل، فذاك في الدرجة الثالثة. والرابع رجل
مؤمن، أسرف على نفسه إسرافا كثيرا، لقي العدو فصدق الله حتى قُتل، فذاك في
الدرجة الرابعة.
والقتلى ثلاثة: مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله،
إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك الشهيد الممتحن، في خيمة الله تحت
عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة. ومؤمن خلط عملا صالحا وآخر
سيئا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، إذا لقي العدو قاتل حتى قُتل، ذاك
فيه ممصمصة، محت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء للخطايا، ويدخل الجنة من أي
أبواب الجنة شاء. ومنافق جاهد بنفسه وماله، فإذا لقي العدو قاتل حتى قُتل،
فذاك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق.
والشهداء على بارق نهر بباب
الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا، أرواحهم في
طائر خضر تعلق من ثمر الجنة، أو نسمة تعلق في ثمر الجنة أو شجرها، قال
تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم
يرزقون)، أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل
معلقة بالعرش، فاطلع إليهم ربك اطلاعة، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟
قالوا: ربنا وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا، ثم اطلع إليهم
الثانية، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لم يتركوا
قالوا: تعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا، فنقتل في سبيلك مرة
أخرى.
ويؤتى بالشهيد من أهل الجنة، فيقول له الله عز وجل: يا ابن
آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول:
أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات، لما يرى من فضل
الشهادة، وما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على
الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات، لما يرى
من الكرامة.
وللشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة، ويرى
مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على
رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين
وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.
وعسقلان أحد
العروسين، يُبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم، ويُبعث منها
خمسون ألفا شهداء، وفودا إلى الله عز وجل، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم
مقطعة في أيديهم، تثج أوداجهم دما، يقولون: ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك
إنك لا تخلف الميعاد، فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون
منها نُقِيّاً بِيضا، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا.
لِمَ لا، ونحن نعلم
أن من قاتل في سبيل الله عز وجل فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن سأل الله
القتل من عند نفسه صادقا ثم مات أو قتل فله أجر شهيد، ومن جرح جرحا في
سبيل الله أو نُكِبَ نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها
كالزعفران، وريحها كالمسك، ومن جرح جرحا في سبيل الله فعليه طابع الشهداء.
وهم
الذين قصدهم الله عز وجل في قوله: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن
في الأرض إلا من شاء الله)، فهم الذين شاء الله ألا يُصعقوا، حيث يبعثهم
الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فتأتيهم ملائكة من المحشر بنجائب من
ياقوت، أزمتها الدر الأبيض، برحال الذهب، أعناقها السندس والإستبرق،
ونمارقها ألين من الحرير، مد خطاها مد أبصار الرجال، يسيرون في الجنة على
خيول، يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه،
فيضحك الله إليهم، وإذا ضحك الله إلى عبد في موطن فلا حساب عليه.
غـرف الجـنـــة
وإن
أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر
في الأفق، من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم، وإن في الجنة لغرفا يرى
بطونها من ظهورها، وظهورها من بطونها.
وإن المتحابين في الله في الدنيا
هم في الجنة على عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة،
يشرفون على أهل الجنة، إذا اطلع أحدهم ملأ حسنه بيوت أهل الجنة نورا، كما
تملأ الشمس بيوت أهل الدنيا، فيقول أهل الجنة: اخرجوا بنا ننظر إلى
المتحابين في الله، فيخرجون، فينظرون في وجوههم مثل القمر ليلة البدر،
عليهم ثياب خضر، مكتوب في جباههم بالنور: هؤلاء المتحابون في الله.
خيـــام الجنـــة
ويسكنون
في خيمة الجنة، وهي من لؤلؤة مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع
من ذهب، ولها سبعون بابا، كلها من درة، طولها في السماء ستون ميلا، وعرضها
ستون ميلا، في كل زاوية منها أهلون، حور مقصورات في الخيام، ما يرون
الآخرين، ولا يرى بعضهم بعضا، يطوف عليهم المؤمنون، ويتكئون فيها على سرر
مصفوفة، بعضها إلى جانب بعض، وعلى سرر موضونة، متكئين عليها متقابلين.
ويذهبون
إلى خيراتهم، ولكل مسلم في الجنة خَيْرَة، ولكل خَيرة خيمة، ولكل خيمة
أربعة أبواب، يدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة، لم تكن قبل
ذلك، لا مزجات ولا زفرات، ولا بخرات ولا طماحات، حور عين، كأنهن بيض مكنون.
أنهــار الجنــــة
________سبحان الله
فإن
سألتَ عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران. وإن سألت عن سقفها فهو عرش
الرحمن. وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر. وإن سألت عن حصبائها فهو
اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب. وإن سألت
عن أشجارها فما فيها من شجرة إلا وساقها من الذهب والفضة، لا من الحطب
والخشب. وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال، ألين من الزبد، وأحلى من العسل.
وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألت عن أنهارها
فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل
مصفى. وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون. وإن
سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور. وإن سألت عن آنيتهم فآنية
الذهب والفضة، في صفاء القوارير. وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين
مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.
وإن
سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تنعم بالطرب لمن يسمعها. وإن سألت عن
ظلها ففي ظل الشجرة الواحدة يسير الراكب المجد السريع مائة عام لا يقطعها.
وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة
ألفي عام. وإن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة،
طولها ستون ميلا. وإن سألت عن علاليها وجوسقها فهي غرف من فوقها غرف
مبنية، تجري من تحتها الأنهار. وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب
الطالع أو الغارب في الأفق، الذي لا تكاد تناله الأبصار.
وإن سألت عن
لباس أهلها فهو الحرير والذهب. وإن سألت عن فرشها فبطائنها من إستبرق،
مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات،
مزررة بأزرار الذهب. وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر. وإن
سألت عن أعمارهم فأبناء ثلاث وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام، طولهم
ستون ذراعا، وعرضهم سبعة أذرع.
وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من
الحور العين، وأحلى منه سماع الملائكة والنبيين، وأحلى منهما خطاب رب
العالمين. وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب مما شاء الله،
تسير بهم حيث شاءوا. وإن سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ،
وعلى رؤوسهم ملابس التيجان. وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون، كأنهم
لؤلؤ مكنون.
وإن سألت عن أزواجك وحبيباتك، فهن الكواعب الأتراب، اللاتي
جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما
تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت
عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين
ثناياها إذا ابتسمت.
إذا قابلتْ حِبَّها فقل ما تشاء في تقابل النورين،
وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق
الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها كما يُرى في المرآة التي جلاها صيقلها ،
ويرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها، ولا عظمها، ولا حللها. لو
اطلعتْ على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه
الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ولتزخرفت لها ما بين الخافقين،
ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم،
ولآمن من على ظهرها بالله الحي القيوم، ولَنصيفها على رأسها خير من الدنيا
وما فيها، ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها.
ولا تزداد على طول
الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً،
مبرأة من الحبل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق،
والغائط وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلِق ثوب
جمالها، ولا يُمَل طيب وصالها، قد قصرت على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه،
وقصر طرفه عليها، فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها
بطاعته أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو منها في غاية الأماني، لم يطمثها
قبله إنس ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً، وكلما حدثته ملأت
أذنه لؤلؤاً منظوماً، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً.
فإن سألت عن
السن فأتراب في أعدل من الشباب. وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر.
وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن جور. وإن سألت عن
القدود فهل رأيت أحسن الأغصان. وإن سألت عن النهود فمن الكواعب، ونهودهن
كألطف الرمان. وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان. وإن سألت عن حسن
الْخُلُق فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمعن بين الحسن والإحسان، فأعطين
جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر. وإن سألت عن حسن
العشرة ولذة ما هنالك، فهن العُرب المحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل
التي تمتزج بالروح أي امتزاج.
فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها
أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة
في بروج فلكها، وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته فيا
لذة المعانقة والمخاصرة، وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست
وأمتعت فيا حبَّذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلت فلا شيء أشهى إليه من
التقبيل، وإن نُوْلَتْ فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل.
أما يوم
المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه،
فإنه اليوم الأعظم والأجمل، ففيه ترى الرب الرحيم، كما ترى الشمس في
الظهيرة، والقمر ليلة البدر. فالجنة، وربِّ الكعبة، فيها ما لا عين رأت،
ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
آيــات في الجنـة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم
·
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي
جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (72). التوبة
· إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
(45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي
صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا
يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48). الحجر
·
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُـــوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَـــاتِ
جَنَّــاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ
أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23).
الحج
· إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ
(55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ
(56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(57)سَلَامٌ قَوْلًا
مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58). يس
· وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا
خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ
وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ
فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74). الزمر
· إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ
سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ
بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55).
الدخان
· مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا
أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ
يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ
وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ (15). محمد
· إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55). القمر
·
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَى أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ
فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53)
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى
الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ
وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57)
كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا
الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ
دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65)
فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي
الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ
يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ
وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78). الرحمن
·
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي
جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ
الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا
مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ
عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ
اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلاً
سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ
(27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ
مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا
مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا
أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا
أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ
(39) وَثُلَّةٌ مِنْ الْآخِرِينَ (40). الواقعة
· وَجَزَاهُمْ بِمَا
صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ
لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً
عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ
عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا(15)
قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا(16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا
كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى
سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا
رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا(19) وَإِذَا رَأَيْتَ
ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا(20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ
سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ
وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21). الإنسان
· إِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ
أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا
وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36). النبأ
·
وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا
مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ
وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ (25). البقرة
· قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ
الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً
وَمَصِيرًا(15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى
رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً (16). الفرقان
· وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ
لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ
(50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا
مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا
لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54). ص
· وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا
يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35). ق
· إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا
سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(10). يونس
أبواب الجنــة
عندما يفزع الناس يوم القيامة يأتون إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم
الأنبياء، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا
ترى ما نحن فيه! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأنطلق، فآتي تحت العرش،
فأخر ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم
يفتحه على أحد قبلي، ثم يُقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع،
فأرفع رأسي، فأقول: يا رب أمتي، يا رب أمتي، يا رب أمتي، فيقول: يا محمد،
أَدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء
الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، ما بين
المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، وكما بين مكة وبصرى. وإن
للجنة لثمانية أبواب، ما منهما بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما،
ومنها باب تدخل منه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، عرضه مسيرة الراكب
المجود ثلاثا، ثم إنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول.
وهي
موزعة: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد
دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من
أهل الصيام دعي من باب الريان، وقد يدعى المؤمن من هذه الأبواب كلها.
وعزةِ الله وجلاله، لو كان العبد المؤمن في الدنيا أقطع اليدين والرجلين،
وسُحِبَ على وجهه منذ يوم خلقه الله إلى يوم القيامة، ووقف على أحد هذه
الأبواب، لكان كأنه ما رأى بؤسا قط.
ولما كانت الجنات درجات، بعضها فوق
بعض، كانت أبوابها كذلك، وباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها،
وكلما علت الجنة اتسعت، فعاليها أوسع مما دونه، وسعة الباب بحسب سعة
الجنة، فمنها ما بين مصراعيه مسيرة أربعين عاما، ومنها ما بين مصراعيه
مسيرة سبعين عاما، ومنها ما بين مصراعيه كما بين مكة وهجر، ومنها ما بين
مصراعيه كما بين مكة وبصرى، ومنها ما عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا.
يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، تتكلم وتُكَلَّم، وتَفهم ما
يقال لها، انفتحي انغلقي.
أول من يدخل الجنـة
يقول النبي صلى الله
عليه وسلم: { أنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر، وآتي باب الجنة
فآخذ بحلقتها، فيقولون: من هذا؟ فأقول: أنا محمد. فيفتحون لي، فأدخل، فأجد
الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يُسمع منك،
وقل يُقبل منك، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي يا رب،
فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدتَ في قلبه مثقال حبة من شعير من الإيمان
فأدخله الجنة، فأذهب، فمن وجدتُ في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة. فأجد
الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يُسمع منك،
وقل يُقبل منك، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي يا رب،
فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدتَ في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان
فأدخله الجنة، فأذهب، فمن وجدتُ في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة.
وفرغ
من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي في النار مع أهل النار. فيقول أهل
النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به شيئا. فيقول
الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار. فيرسل إليهم، فيخرجون من النار وقد
امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء
السيل، ويكتب بين أعينهم (هؤلاء عتقاء الله)، فيذهب بهم فيدخلون الجنة.
فيقول لهم أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون. فيقول الجبار: بل هؤلاء عتقاء
الجبار}. وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل ألف
سبعون ألفا ليس عليهم حساب. وأعطاني الكوثر، فهو نهر من الجنة، يسيل في
حوضي، وأعطاني أني أول الأنبياء أدخل الجنة.
وأبو بكر أول من يدخل
الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمملوك إذا أطاع الله وأطاع
سيده، والفقراء والمهاجرون الذين تُسد بهم الثغور، ويُتقى بهم المكاره،
ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، يدخلون الجنة قبل
الأغنياء بنصف يوم؛ وذلك خمس مائة عام. فيقول الله عز وجل لمن يشاء من
ملائكته: ائتوهم فحيوهم. فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك، وخيرتك من خلقك،
أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم! قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا
يشركون بي شيئا، وتُسد بهم الثغور، ويُتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم
وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون
عليهم من كل باب، ويقولون: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
وإن
أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد
كوكب دري في السماء إضاءة، يتلقى كل واحد منهم سبعون ألف خادم كأنهم
اللؤلؤ، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يمتخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب،
ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق
رجل واحد، على صورة أبيهم آدم؛ ستون ذراعا في السماء، لكل رجل منهم زوجتان
اثنتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب.
والذي نفس
محمد بيده، إنه ليرجوا أن تكون أمته نصف أهل الجنة، وذاك أن الجنة لا
يدخلها إلا نفس مسلمة، وما نحن من أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد
الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر.
عدد الجنات وأسماؤها
لما
خلق الله عز وجل الجنات يوم خلقها وفضل بعضها على بعض، جعلها سبع جنات،
دار الخلد، ودار السلام، وجنة عدن، وهي قصبة الجنة، وهي مشرفة على الجنان
كلها، وهي دار الرحمن تبارك وتعالى، ليس كمثله شيء ، ولا يشبه شيء، ولباب
جنات عدن مصراعان: من زمرد وزبرجد من نور، كما بين المشرق والمغرب، وجنة
المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، سبع جنات خلقها الله عز
وجل من النور كلها، مدائنها وقصورها، وبيوتها وشُرَفِها، وأبوابها ودرجها،
وأعلاها وأسفلها، وآنيتها وحليِّها، وجميع أصناف ما فيها من الثمار
المتدلية، والأنهار المطرزة بألوان الأشربة، والخيام المشرفة، والأشجار
الناضرة بألوان الفاكهة، والرياحين العبقة، والأزهار الزاهرة، والمنازل
البهية.
صفة أهل الجنـة
فيدخلها أهل الجنة، جردا مردا مكحلين، أبناء
ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين، عليهم التيجان، وإن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما
بين المشرق والمغرب، ولو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا، لتزخرفت له ما
بين خوافق السماوات والأرض، ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره،
لطمس ضوؤُه ضوءَ الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم.
وإذا فتحت الجنة
أبوابها دخلت أول زمرة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأشد
كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب واحد، لا اختلاف بينهم ولا
تباغض، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون فيها ولا يموتون، ولا ينزفون،
ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمنون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، آنيتهم من
الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوّة، ورشحهم المسك، أزواجهم
الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً
في السماء، وبجمال يوسف، وقلب أيوب، وعُمْر عيسى، وخُلُق محمد، عليهم
جميعاً الصلاة والسلام.
لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين، على كل
زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما، كما يرى الشراب
الأحمر في الزجاجة البيضاء.
درجات أهل الجنـة
ويصعد في درجاتها، وفي
الجنة مائة درجة، أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين
كما بين السماء والأرض، وما بين كل درجتين مائة عام، لو أن العالمين
اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم، أفضلها الفردوس؛ فهي وسط الجنة، وأعلى الجنة،
وفوقها عرش الرحمن عز وجل، ومنه تفجر أنهار الجنة. وأعلاها الوسيلة، فإنها
درجة في أعلى الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، نرجو أن يكون نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم هو ذاك الرجل.
وأدنى درجات الجنة من له من الجنة مسيرة
خمسمائة عام، ويزوج خمسمائة حوراء، وأربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف بيت،
وإنه ليعانق الزوجة عُمْر الدنيا فلا يتأخر واحد منها عن صاحبه، وإنه
لتوضع المائدة بين يديه فلا ينقضي شبعه عُمْر الدنيا، وإنه ليوضع الإناء
على فيه فلا ينقضي ريه عُمْر الدنيا، وإنه ليأتيه ملك بين اصبعيه مائة
حلة، تحية من ربه تبارك وتعالى، فيلقيها على بدنه، فيقول العبد: الحمد
لله، وتبارك ربي وتعالى، فما عجبت كإعجابي بهذه الهدية. فيقول الملَك:
أعجبتْك؟ فيقول: نعم، فيبادر الملَك أدنى شجرة من جنة الخلد، فيقول: أنا
رسول ربكِ إليكِ، تكوني لولي الله ما أحب، فتتلون له على ما يشتهي.
ويؤتى
بقارئ القرآن، فيعطى الملْك بيمينه، والخلْد بشماله، ويوضع على رأسه تاج
الوقار، ويُكسى والداه حلتين، لا يقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كُسينا
هذا؟ فيُقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج
الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ أو يرتل.
وإن الرجل من أهل
عليين ليشرف على أهل الجنة، فتضيء الجنة لوجهه، كأنها كوكب دري، وإن من
تحتهم يراهم كما يرى النجم الطالع في أفق السماء.
وفي الجنة ملوك،
ومَلِكُها رجل ضعيف مستضعف، ذو طمرين، لا يؤبه له، لو أقسم على الله
لأبره. يشمون رائحة الجنة، حتى قبل دخولها، كلٌ حسب درجته، فمنهم من يشم
رائحتها من مسافة ألف عام، ومنهم من يشم رائحتها من مسافة خمسمائة عام،
ومن مسافة مائة عام، ومن مسافة سبعين عاما، ومن مسافة أربعين عاما، كل حسب
عمله.
الشـهــــــداء
وفيها الشهداء، وهم أربعة: رجل مؤمن جيد
الإيمان، لقي العدو فصدق الله فقُتل، فذلك الذي ينظر الناس إليه هكذا،
ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه حتى سقطت قلنسوته. والثاني رجل
مؤمن، لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح، جاءه سهم غرب فقتله، فذاك
في الدرجة الثانية. والثالث رجل مؤمن، خلط عملا صالحا وآخر سيئا، لقي
العدو فصدق الله عز وجل حتى قُتل، فذاك في الدرجة الثالثة. والرابع رجل
مؤمن، أسرف على نفسه إسرافا كثيرا، لقي العدو فصدق الله حتى قُتل، فذاك في
الدرجة الرابعة.
والقتلى ثلاثة: مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله،
إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك الشهيد الممتحن، في خيمة الله تحت
عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة. ومؤمن خلط عملا صالحا وآخر
سيئا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، إذا لقي العدو قاتل حتى قُتل، ذاك
فيه ممصمصة، محت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء للخطايا، ويدخل الجنة من أي
أبواب الجنة شاء. ومنافق جاهد بنفسه وماله، فإذا لقي العدو قاتل حتى قُتل،
فذاك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق.
والشهداء على بارق نهر بباب
الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا، أرواحهم في
طائر خضر تعلق من ثمر الجنة، أو نسمة تعلق في ثمر الجنة أو شجرها، قال
تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم
يرزقون)، أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل
معلقة بالعرش، فاطلع إليهم ربك اطلاعة، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟
قالوا: ربنا وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا، ثم اطلع إليهم
الثانية، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لم يتركوا
قالوا: تعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا، فنقتل في سبيلك مرة
أخرى.
ويؤتى بالشهيد من أهل الجنة، فيقول له الله عز وجل: يا ابن
آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول:
أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات، لما يرى من فضل
الشهادة، وما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على
الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات، لما يرى
من الكرامة.
وللشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة، ويرى
مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على
رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين
وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.
وعسقلان أحد
العروسين، يُبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم، ويُبعث منها
خمسون ألفا شهداء، وفودا إلى الله عز وجل، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم
مقطعة في أيديهم، تثج أوداجهم دما، يقولون: ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك
إنك لا تخلف الميعاد، فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون
منها نُقِيّاً بِيضا، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا.
لِمَ لا، ونحن نعلم
أن من قاتل في سبيل الله عز وجل فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن سأل الله
القتل من عند نفسه صادقا ثم مات أو قتل فله أجر شهيد، ومن جرح جرحا في
سبيل الله أو نُكِبَ نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها
كالزعفران، وريحها كالمسك، ومن جرح جرحا في سبيل الله فعليه طابع الشهداء.
وهم
الذين قصدهم الله عز وجل في قوله: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن
في الأرض إلا من شاء الله)، فهم الذين شاء الله ألا يُصعقوا، حيث يبعثهم
الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فتأتيهم ملائكة من المحشر بنجائب من
ياقوت، أزمتها الدر الأبيض، برحال الذهب، أعناقها السندس والإستبرق،
ونمارقها ألين من الحرير، مد خطاها مد أبصار الرجال، يسيرون في الجنة على
خيول، يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه،
فيضحك الله إليهم، وإذا ضحك الله إلى عبد في موطن فلا حساب عليه.
غـرف الجـنـــة
وإن
أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر
في الأفق، من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم، وإن في الجنة لغرفا يرى
بطونها من ظهورها، وظهورها من بطونها.
وإن المتحابين في الله في الدنيا
هم في الجنة على عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة،
يشرفون على أهل الجنة، إذا اطلع أحدهم ملأ حسنه بيوت أهل الجنة نورا، كما
تملأ الشمس بيوت أهل الدنيا، فيقول أهل الجنة: اخرجوا بنا ننظر إلى
المتحابين في الله، فيخرجون، فينظرون في وجوههم مثل القمر ليلة البدر،
عليهم ثياب خضر، مكتوب في جباههم بالنور: هؤلاء المتحابون في الله.
خيـــام الجنـــة
ويسكنون
في خيمة الجنة، وهي من لؤلؤة مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع
من ذهب، ولها سبعون بابا، كلها من درة، طولها في السماء ستون ميلا، وعرضها
ستون ميلا، في كل زاوية منها أهلون، حور مقصورات في الخيام، ما يرون
الآخرين، ولا يرى بعضهم بعضا، يطوف عليهم المؤمنون، ويتكئون فيها على سرر
مصفوفة، بعضها إلى جانب بعض، وعلى سرر موضونة، متكئين عليها متقابلين.
ويذهبون
إلى خيراتهم، ولكل مسلم في الجنة خَيْرَة، ولكل خَيرة خيمة، ولكل خيمة
أربعة أبواب، يدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة، لم تكن قبل
ذلك، لا مزجات ولا زفرات، ولا بخرات ولا طماحات، حور عين، كأنهن بيض مكنون.
أنهــار الجنــــة
________سبحان الله